الشعب هو العنصر الرئيس من عناصر الدولة. ليس هذا فقط، بل إن الشعب هو الأصل الرئيس من أصول الدولة، به تنمو البلاد وتزداد منعتها.. وله يعود العائد من ثروتها، فيعم الرواج والإرخاء ويسود الاستقرار. الدولة الغنية، ليست فقط بثرواتها الطبيعية، لكن أكثر: بغنى وعظمِ وإنتاجيةِ ثروتها البشرية. اليابان، مثلاً: تفتقر للموارد الطبيعية وتكمن ثروتها الحقيقية في شعبها.
في حقيقة الأمر ليس هناك مشكلة سكانية، في أي دولة من الدول... بل دائماً ما يكون هناك سوء إدارة.. وفساد سياسي.. وافتقار كفاءة مؤسساتية، وعجز خطير في انتفاع من الموارد البشرية. النظرة التشاؤمية التي قال بها توماس مالتس (1766 - 1834) عندما حذر: من أن السكان يتزايدون بمتوالية هندسية بينما الإنتاج الزراعي يتزايد بمتوالية حسابية، مما يقود في النهاية إلى المجاعات وانتشار الأوبئة، ونشوب الحروب، لم تثبت صحتها.
في المقابل: نجد أن عالم الاجتماع العربي ابن خلدون (1332 - 1406)، كان أكثر صواباً في نظرته المتفائلة للمسألة السكانية، حيث ربط بين مستوى الحضارة والتقدم وعدد السكان. زيادة السكان، في رأي ابن خلدون، عاملٌ مهمٌ في تقسيم العمل.. وفي النمو، ومنعةِ الدولة، بصورة عامة.
ربما مالتوس كان يتحدث عن مجتمع زراعي تسوده قيم وسطوة الإقطاع، ولم تتقدم، بعد، أوروبا في ثورتها الصناعية، ليتصور حلولاً علمية وتكنولوجية للمسألة السكانية. لكن تاريخياً كان العنصر السكاني مهماً، ليس فقط في أوقات السلم، بل أيضاً في أوقات الصراعات. كان في النهاية: العنصر البشري من يحسم الحروب، لا التطور في تكنلوجيا صناعة الأسلحة.
هناك، إذن: علاقة قوية بين السكان والنمو الاقتصادي والتقدم الحضاري للمجتمعات الحديثة. جميع الدول الكبرى، التي تتنافس على الهيمنة الكونية، كانت ومازالت دولاً تتمتع بوفرةٍ سكانية كبيرة. الدول الغنية العظمى، في الوقت الحاضر، يتجاوزعدد سكانها مئات الملايين من البشر.
الصين، على سبيل المثال: يقترب عدد سكانها من مليار ونصف نسمة... وتحتل المركز الثاني بين أكبر وأغنى دول العالم، بل تكاد تقترب من الولايات المتحدة. تجربة الهند التنموية مثال آخر صارخ لرفض سياسات تحديد النسل، للتعامل مع المسألة السكانية. الهند يقترب عدد سكانها من 1.4 مليار نسمة، وتحتل المركز الخامس بين الدول العشر الأغنى عالمياً.
بينما تجارب الأمم النامية والغنية في الوقت الحاضر تربط بين النمو ومعدلات الزيادة السكانية، نجد دولاً في العالم الثالث، تعلق مشاكل اقتصادياتها الهيكلية وفساد أنظمتها السياسية على ما يزعم بالزيادة السكانية!
دولٌ كثيرة، اكتشفت مؤخراً، عقم سياسات تحديد النسل المنظمة والعزوف عن الزواج، حتى كادت «تشيخ» سكانياً. اليابان وكوريا الجنوبية وإيطاليا، أمثلة لدولٍ أشرفت على الانقراض، سكانياً. بالكاد لحقت الصين نفسها، من هذا المصير المفجع، عندما تخلت 2014 عن سياسة الطفل الواحد، بعد خمسةٍ وثلاثين عاماً، من الفرض التعسفي لقانون تلك السياسة.
الاستثمار في العنصر البشري، حريةً ومشاركةً وتعليماً وصحةً وتدريباً وانتاجيةً، يُعدُّ الضمانة الحقيقية للتنمية المستدامة والنمو المطرد.. والرادعُ الاستراتيجيُ الأول لمنعةِ الدولة.
كاتب سعودي
talalbannan@icloud.com
في حقيقة الأمر ليس هناك مشكلة سكانية، في أي دولة من الدول... بل دائماً ما يكون هناك سوء إدارة.. وفساد سياسي.. وافتقار كفاءة مؤسساتية، وعجز خطير في انتفاع من الموارد البشرية. النظرة التشاؤمية التي قال بها توماس مالتس (1766 - 1834) عندما حذر: من أن السكان يتزايدون بمتوالية هندسية بينما الإنتاج الزراعي يتزايد بمتوالية حسابية، مما يقود في النهاية إلى المجاعات وانتشار الأوبئة، ونشوب الحروب، لم تثبت صحتها.
في المقابل: نجد أن عالم الاجتماع العربي ابن خلدون (1332 - 1406)، كان أكثر صواباً في نظرته المتفائلة للمسألة السكانية، حيث ربط بين مستوى الحضارة والتقدم وعدد السكان. زيادة السكان، في رأي ابن خلدون، عاملٌ مهمٌ في تقسيم العمل.. وفي النمو، ومنعةِ الدولة، بصورة عامة.
ربما مالتوس كان يتحدث عن مجتمع زراعي تسوده قيم وسطوة الإقطاع، ولم تتقدم، بعد، أوروبا في ثورتها الصناعية، ليتصور حلولاً علمية وتكنولوجية للمسألة السكانية. لكن تاريخياً كان العنصر السكاني مهماً، ليس فقط في أوقات السلم، بل أيضاً في أوقات الصراعات. كان في النهاية: العنصر البشري من يحسم الحروب، لا التطور في تكنلوجيا صناعة الأسلحة.
هناك، إذن: علاقة قوية بين السكان والنمو الاقتصادي والتقدم الحضاري للمجتمعات الحديثة. جميع الدول الكبرى، التي تتنافس على الهيمنة الكونية، كانت ومازالت دولاً تتمتع بوفرةٍ سكانية كبيرة. الدول الغنية العظمى، في الوقت الحاضر، يتجاوزعدد سكانها مئات الملايين من البشر.
الصين، على سبيل المثال: يقترب عدد سكانها من مليار ونصف نسمة... وتحتل المركز الثاني بين أكبر وأغنى دول العالم، بل تكاد تقترب من الولايات المتحدة. تجربة الهند التنموية مثال آخر صارخ لرفض سياسات تحديد النسل، للتعامل مع المسألة السكانية. الهند يقترب عدد سكانها من 1.4 مليار نسمة، وتحتل المركز الخامس بين الدول العشر الأغنى عالمياً.
بينما تجارب الأمم النامية والغنية في الوقت الحاضر تربط بين النمو ومعدلات الزيادة السكانية، نجد دولاً في العالم الثالث، تعلق مشاكل اقتصادياتها الهيكلية وفساد أنظمتها السياسية على ما يزعم بالزيادة السكانية!
دولٌ كثيرة، اكتشفت مؤخراً، عقم سياسات تحديد النسل المنظمة والعزوف عن الزواج، حتى كادت «تشيخ» سكانياً. اليابان وكوريا الجنوبية وإيطاليا، أمثلة لدولٍ أشرفت على الانقراض، سكانياً. بالكاد لحقت الصين نفسها، من هذا المصير المفجع، عندما تخلت 2014 عن سياسة الطفل الواحد، بعد خمسةٍ وثلاثين عاماً، من الفرض التعسفي لقانون تلك السياسة.
الاستثمار في العنصر البشري، حريةً ومشاركةً وتعليماً وصحةً وتدريباً وانتاجيةً، يُعدُّ الضمانة الحقيقية للتنمية المستدامة والنمو المطرد.. والرادعُ الاستراتيجيُ الأول لمنعةِ الدولة.
كاتب سعودي
talalbannan@icloud.com